من الحايك إلى الشورت القصير: تطوان بين إرث الحشمة وغزو العُري.. فهل هو تبرّجُ اقتناع أم تغريبٌ علنيّ؟
– هاشمي بريس
– بقلم / محمد رضا المرابط
في ظِلّ التغيرات المتسارعة التي يعرفها المجتمع المغربي، تشهد أسواق مدينة تطوان، ذات الطابع المُحافظ، ظاهرةً مثيرة للقلق، ملابس نساء وفتيات غير مُحتشمة، توصف أحياناً بـ”الفاضحة”، تغزو المحلات وتلقى إقبالاً كبيراً، خاصة من طرف الفتيات واليافعات.
هذا التحوّل في نمطِ الألبسة يُثير تساؤلاتٍ عدة حول الخلفيات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي تُغذي هذا التوجّه الجديد، ومدى انسجامه مع القيم والتقاليد المحلية المعروفة لدى ساكنة تطوان، المدينة التي طالما اعتُبرت رمزاً للوقار والحشمة.
لقد تحوّلت بعض واجهات المحلات التجارية إلى ما يُشبه عروض أزياء صادمة، سراويل ضيقة، قمصان شفافة، وملابس قصيرة تكاد تكون أقرب إلى ملابس السهرات وكذا لباس المنزل، وكلها معروضة في وضح النهار وبلا تحفّظ.
لا شكّ أن للموضة العالمية تأثيراً لا يُنكر، لكن الملاحظ أن بعض هذه الملابس تتجاوز مجرد التقليد إلى ما يعتبره الكثيرون استفزازاً مباشراً للذوق العام، وتغريباً متعمّداً للهوية المجتمعية.
يرى بعض المتتبعين أن ما يحدث ليس مجرد تعبير عن الانفتاح، بل هو “إقحام ممنهج لثقافة اللباس الغربي” الذي لا يراعي الخصوصيات الدينية والثقافية للمنطقة.
لتطرح مجموعة من التساؤلات، هل هو انفتاح على العالم أم انصهار فيه حتى الذوبان؟ وهل ما تعرضه المحلات اليوم يُعد حرية شخصية أم ترويجاً لخيارات تُفرَض على الناشئة بشكل غير مباشر؟
ليبقى السؤال المطروح وبإلحاح: هل من رقابة على ما يُعرض في الأسواق؟ وما دور الجهات المعنية في تنظيم التجارة وحماية الذوق العام؟ هل هناك معايير للملابس المستوردة والمُروّجة؟
كما تُطرح تساؤلات حول دور الأسرة، والمدرسة، والمجتمع المدني في توعية الجيل الصاعد بخطورة الانسياق وراء كل جديد دون تمييز.
ورغم الأصوات المنتقدة، فإن هذه الملابس تلقى رواجاً لافتاً، ما يعكس خللاً عميقاً في منظومة القيم وتراجعاً في ثقافة الوعي المجتمعي. فالشباب، وخاصة الفتيات، أصبحوا ينجذِبون بسرعة فائقة إلى مظاهر خارجية خادعة باسم “الحرية الشخصية” و”التعبير عن الذات”، ما يفتح الباب أمام مخاطر اجتماعية وتربوية قد تتفاقم في المستقبل القريب.
كانت تطوان، ولا تزال، مدينة عُرفت بوقارها وسمو أخلاق أهلها، حيث بين الجلابة والسبنية واللثام والحايك قضت نساء تطوان وشبابها معظم فترات اللباس واليوم، تواجه تحدياً حقيقياً في الحفاظ على هويتها الثقافية في خضم موجات التغريب، وتيارات لا تعترف بالحدود ولا بالخصوصيات.
فهل سيقف المجتمع متفرجاً؟ أم أن الوقت قد حان لإعادة الاعتبار لقيم الحشمة والتوازن، دون السقوط في مظاهر الانغلاق؟
إن هذه القضية لم تعد مجرد “موضة”، بل تحوّلت إلى معضلة مجتمعية تستدعي نِقاشاً جاداً بين مختلف الفاعلين على غرار المؤسسات التعليمية، الأسر، تجار، وجمعيات، من أجل صياغة رؤية متوازنة تحترم الحرية دون أن تُفرّط في الثوابت والقيم التي تبني أجيال الغذ وتبني معها رجالات ونساء وطن.