المجلس الوطني للصحافة: فلسفة التنظيم الذاتي

0 685

قدم السيد يونس مجاهد، رئيس المجلس الوطني للصحافة، ورقة تأطيرية لمهام و أهداف المجلس أثناء مناقشة برنامج عمله، خلال الجمعية العمومية المنعقدة بالرباط .

ينطلق المجلس الوطني للصحافة،  من فلسفة التنظيم الذاتي للمهنة، التي تعتبر أن من حق وواجب مهنيي الصحافة والإعلام، السعي إلى تنظيم وتأهيل وتأطير مهنتهم، على أسس الديمقراطية والإستقلالية و في احترام تام لحرية الصحافة وأخلاقياتها، مع استلهام التجربة والتراكمات الإيجابية، التي حققتها المهنة على الصعيدين الوطني والدولي.

وقد كرس الدستور المغربي هذه المبادئ، لا سيما في الفصل 28 ، الذي ينص على أن حرية الصحافة مضمونة، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية.وللجميع الحق في التعبير، ونشر الأخبار والأفكار والآراء، بكل حرية، ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة.

كما يؤكد أن السلطات العمومية تشجع على تنظيم قطاع الصحافة، بكيفية مستقلة، وعلى أسس ديمقراطية، وعلى وضع القواعد القانونية والأخلاقية المتعلقة به.

ويستمد المجلس الوطني للصحافة، شرعيته القانونية، من هذه المقتضيات الواردة في الدستور، والتي تمت ترجمتها في القانون المحدث له، غير أن هذه الشرعية لا يمكن أن تأخذ صفتها الفعلية، إلا من خلال إنجاز عمل المجلس، طبقا للإختصاصات المتعددة التي أسندت له.

وبالإضافة إلى هذه المرجعيات الديمقراطية والدستورية والقانونية، فإن شرعية المجلس، التي هي نتاج انتخابات حرة ونزيهة، داخل المهنيين، تستند على ركنين أساسين، أولهما، المسؤولية الإجتماعية للصحافة والإعلام، ثانيهما، الإلتزام الذي تعاقدنا عليه جميعا مع الصحافيين والناشرين.

لذلك فإن المجلس الوطني للصحافة، يختلف عن العديد من هيآت التنظيم الذاتي، حيث أن القانون منح له صلاحيات، كانت في يد السلطات العمومية، ويتعلق الأمر بمنح البطاقة المهنية، والتأديب وتأهيل قطاع الصحافة، كما منحه القانون حقه الإستشاري في القوانين والمراسيم المؤطرة للصحافة والنشر، وكذا صلاحيات إقتراحية في هذا المجال، دون أن ننسى التأكيد هنا على واجبه الذي ينص عليه القانون في تتبع ممارسة حرية الصحافة.

بناءاً على هذه المقدمات، فإن التحدي المطروح على المجلس الوطني للصحافة، تتمثل في قدرته على بلورة هذه المبادئ والمقتضيات والإلتزامات في إستراتيجية واضحة وواقعية، من خلال برامج عمل، تتمحور حول القضايا الكبرى التالية:

1 – تعتبر مسألة السهر على احترام أخلاقيات المهنة، محورية في صلاحيات المجلس، بل إنها من المقومات الرئيسية للتنظيم الذاتي، وعلى هذا الأساس، فإن مجلسنا خطا خطوة مهمة بمصادقته على ميثاق الأخلاقيات، الذي يتضمن مبادئ جامعة، لآداب مهنة الصحافة وممارستها الفضلى.

غير أنه بموازاة الميثاق، والصلاحيات التأديبية، التي منحت للمجلس، فإنه مطالب بالخصوص بالعمل على تقوية مقاربة التكوين والتحسيس والتعريف، بالميثاق، في مختلف تفاصيله وتفسيراته، من خلال تنظيم لقاءات ونشر وبث مضامين الميثاق، ومتابعة الخروقات، وإنجاز الدراسات، والإشتغال مع كل المعنيين، من مهنيين ومجتمع مدني ومؤسسات التربية والتعليم ومختلف الفاعلين في مجالات الصحافة والتواصل والإعلام، للسعي إلى تحقيق صحافة أخلاقية، وفية لمسؤوليتها الإجتماعية.

2- الموارد البشرية، الضرورية والتي تتوفر على الكفاءة اللازمة لممارسة حرية الصحافة بمهنية ومصداقية، وعلى هذا المستوى، فإن المجلس مطالب بأن يحصن المهنة، من خلال تأطير الولوج إليها، بناءاً على مقتضيات قانونية وأخلاقية وشروط علمية وتعاقدية، ترتقي بالمهنة وتقطع الطريق على المتطفلين، خاصة في ظل الإنتشار الواسع للتكنولوجيات الحديثة، التي سهلت على البعض محاولات اختراق مهنة الصحافة، دون التوفر على هذه المقتضيات والشروط، مما أصبح يهدد مستقبل المهنة.

وارتباطاً بهذه القضية ذات الأهمية البالغة، والتي أنيطت مسؤوليتها بمجلسنا، فإن مسألة التكوين والتكوين المستمر، تعتبر أداةً رئيسية من أدوات تطوير وتحصين المهنة، سواء في شقها المتعلق بتوفير فرص استكمال التكوين للصحافيين ومختلف الفئات الأخرى العاملة في الصحافة والإعلام، أو في شقها الذي يهم شروط وظروف التكوين في هذا القطاع، على مختلف المستويات العلمية والمهنية والقانونية والإدارية.

كما ينبغي على المجلس إيلاء الإهتمام البالغ للمجالات الإجتماعية، التي تخص المهنيين، في تعاون تام مع الأطراف الأخرى المعنية، لضمان شروط محترمة من الحياة والتغطية والحماية الإجتماعية، الأمر الذي يعتبر ضروريا في تحصين المهنة والأرتقاء بمستواها.

3- تأهيل المقاولة الصحافية، كقضية محورية في عمل المجلس الوطني للصحافة، نظرا لما تطرحه من إشكالات تتجدد باستمرار، في ضوء ما يحصل من متغيرات إقتصادية وتجارية وتحولات تكنولوجية وإجتماعية، مما يحتم على المجلس أَن يخصصلهذا الركن من أركان عمله، كل الإهتمام، لأن ممارسة صحافة نوعية وجيدة، تتطلب على الخصوص، وجود مقاولات قوية ومهيكلة.

إن الجواب على سؤال مستقبل الصحافة، يرتبط في جزء كبير منه، بمصير المقاولة الصحافية، التي ينبغي أن تستمر وتتطور، في ظل تحديات سوق تتقلص، وأسعار المواد، وخاصة الورق، في تزايد مستمر، وصعوبات في الطبع والتوزيع، بالإضافة إلى دخول وافد جديد في هذه السوق، أحيانا بطرق عشوائية، ناهيك عن المنافسة غير الشريفة، التي ترتكبها المنصات العالمية الكبرى وشبكات التواصل الإجتماعي، في مجال الإعلانات.

كل هذه التحديات، تفرض على المجلس أن يشتغل طبقاً لبرنامج واضح، مع كل الأطراف الأخرى المعنية والمرتبطة بقطاع الصحافة والإعلام، لتأهيل المقاولة على مختلف الأصعدة، في أفق التلاؤم مع كل التحولات وتكريس مقاولات تتوفر على القوة والمتانة، لتطوير ممارسة حرية الصحافة، والبحث والتقصي، واحترام أخلاقيات المهنةوصيانة كرامة الصحافيين والعاملين، ووضع حد للتسيب والهشاشة، التي تهدد القطاع، من خلال تجارب مرتجلة، لا تتوفر على مقومات المقاولة والقدرات المهنية.

4- يحتاج المجلس إلى رؤية متكاملة حول القطاع، ولذلك فإن الشق المتعلق بإنجاز دراسات حول مختلف قضايا الصحافة والإعلام، يعتبر من الرهانات الأساسية لأداء مهمته، لأنه لا يمكن تصور أية إستراتيجية ناجحة، بدون بوصلة تقودها بوضوح، وطبقا لمخطط عمل وبرامج مدروسة، بأولويات وخطوات ومبادرات، مضبوطة.

لذلك، فإن المجلس مدعو لأن يكون فاعلاً رئيسياً في إنتاج المعرفة العلمية والقانونية والمهنية والإقتصادية والإجتماعية، التي تضيء طريقه، وتجعله قادرًا على اتخاذ المواقف والمبادرات والتوجهات، بناءا على معطيات صحيحة.

كما أن التعاون بينه وبين المؤسسات والمنظمات والهيآت، الأخرى، الوطنية والدولية، ستساعد المجلس في إشعاعه وفي تحقيق أهدافه، سواء في مجالات التكوين وتبادل الخبرات والتناظر حول إشكالات والتشاور حول قضايا، بالإضافة إلى إنجاز دراسات وتقارير مشتركة، في ميدان يزداد تعقيدا بحكم التطورات الكبرى الذي يعرفها الإعلام والتواصل.

وما نطمح إليه هو أن يتحول المجلس الوطني للصحافة، إلى منارة مهنية وعلمية وإشعاعية، في مجال أخلاقيات المهنة وحرية الصحافة وكل الإشكالات المطروحة في القطاع.

5- إن وضع صلاحيات الوساطة والتحكيم، لحل المنازعات بين المهنيين أو بينهم وبين أطراف أخرى، يعتبر مكسبا مهماً للمهنة، لأنه يتيح فرص اختصار المسافات، والتقدم في معالجة مشاكل، طالما نتجت عنها تداعيات سلبية على المهنة، ومن شأن حسن استخدام هذه الآلية أن تعزز الدور المؤطر للمجلس وتكرس موقعه كهيأة منظمة للمهنة.

6- إن مختلف هذه الأدوار التي يلعبها المجلس، تتكامل مع الصلاحيات التي منحت له، بخصوص القوانين والمراسيم وقضايا أخرى، تهم قطاع الصحافة والنشر، أو بتقديم اقتراحاته، لأن التجربة العملية التي يمارسها والخبرة التي يكتسبها في أرض الواقع، وكذا من خلال الدرسات والتعاون، تضعه في موقع يسمح له بتقديم آراء واستشارات ذات قيمة عالية، في تطوير حرية الصحافة وفي تخليق المهنة وتحصينها وتقوية القطاع وتسليحه بكل الأدوات التي تجعله قادرًا على مواجهة التحديات التي يواجهها.

7- كما هو واضح في الدستور، فإن الإشارة إلى التنظيم الذاتي، الديمقراطي والمستقل، إرتبطت بممارسة حرية التعبير، وعلى هذا الأساس، فإن المهمة التي أنيطت بالمجلس، لتتبع حرية الصحافة، وإصدار تقرير سنوي، لتقييم هذه الممارسة، يعتبر حلقة أساسية من حلقات هذا البناء، الذي تتكامل صلاحياته، عبر مختلف اللجان والموضوعات، لأنه هيأة متميزة، لا تكتفي بالنظر في قضايا أخلاقيات المهنة، كما هو شأن المجالس المنتخبة، بل إنه بناء يعتبر أن تحقيق مبدإ المسوولية الإجتماعية، يمتد من المنبع إلى المصب، لذلك فإن البرنامج الذي سيتم عرضه اليوم، دليل على هذه النظرة الشمولية وعلى التكامل والإنسجام الذي ينبغي أن يسود بين لجانه وعضواته وأعضائه.

ــ

عن الموقع الرسمي للمجلس الوطني للصحافة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.