أضواء على: “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد” لصاحبه عبدالرحمان الكواكبي

0 690

 ــ ذ فاطمة الزهراء  فرݣال *
مراجعة كتاب :
– اسم الكتاب: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد.
– المؤلف : عبد الرحمان الكواكبي
– عدد الصفحات : 159
– تاريخ النشر: نُشر لأول مرة سنة 1902.
دار النشر : الجمل الطبعة الأولى 2006

التعريف بالكتاب :

عبد الرحمن أحمد بهائي محمد مسعود الكواكبي ولد سنة 1855 وتوفي سنة 1902م، أحد رُوّاد النّهضة العربيّة ومفكريها في القرن التّاسع عشر، وأحد مُؤسّسي الفكر القومي العربي، اشتهر بكتاب «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد»، الذي يُعدُّ من أهم الكتب العربيّة في القرن التاسع عشر، والتي تناقش ظاهرة الاستبداد السّياسي. وكذا له كتاب أمّ القرى ، أسّس جريدة الشهباء، وجريدة الاعتدال. وشغل العديد من المناصب الرّسمية والفخريّة في المجال الصّحفي والسياسي. تُوفي بعد عودته من جولة في الهند والصين وشرق آسيا مسموما كما يزعم أقاربه ومعارفه.
تقسيم الكتاب :

يحتوي الكتاب بعد المقدّمة على تسعة فصولٍ عرّف الكاتب في أوّلها الاستبداد ثم ٱنتقل الى تفصيلِ علاقةِ الٱستبداد بالدّين والعلم والمجد والمال والأخلاق والتّربية والترقي و خصّص آخر فصل لشرحِ منظوره عن كيفيّة التّخلص من الاستبدَاد …

مراجعة الكتاب :

يستعرض الكتاب بلُغةٍ أدبيَّة جذّابة أصيلةٍ موضوع الٱستبداد وما ينطوي عليه من سلبياتٍ تنعكس على المجتمعات، من خلال دراسةٍ لعلاقتِه بأبرز محاور الحياة الانسانية.

تعريف الاستبداد :

يُعرّف الكاتب الاستبداد لغةً: “غرور المرء برأيه والأنَفة عن قبول النصيحة.” ص 13ثم ينتقل إلى تعريفه في اصطلاح السياسيّين “هو كل تصرّف فردٍ أو جمعٍ في حقوقٍ… وهو صفةُ الحكومة المطلقة العنان، فعلا وحكما، والتي تتصرّف في شؤون الرعيّة كما تشاءُ بلا خشيةِ حسابٍ ولا عقابٍ محقَّقين.” ص 14
ويذكر بعد التّعريف أشكالا للحكومة المستبدّة ويؤكد أن أشدّ مراتبها هو حكومة الفرد المطلق، وأقبحَ أنواعِها هو ٱستبداد الجهل على العلم، والنّفس على العقل..

الاستبداد والدين :

يؤكّد الكاتب أن الاستبداد السياسي متولّدٌ من الاستبداد الديني، فمن خلال مَا شاهد المسلمينَ عليه منذُ قرون من ٱستعانة مستبدّيهم بالدّين وإعانِة علمائِه لهم مفرّقين الأممَ إلى مَذاهب وشيَع تُحاربُ بعضُها بعضا، وموجِبينَ الطّاعة لوليِّ الأمر وإن كان فاسقاً، حتّى لقد قاموا بتقديسهم فأوْجبوا لهم الحَمد إذا عدَلوا، والصَّبر عليهم إذا ظلموا.. فٱختلط الأمر على العوامّ وصاروا يجِدون معبودهم وجبَّارهم مُشتركيْن في الصِّفات والأسماء فلم يعودوا يُفرّقون بين الفعّال المُطلق والحاكم بأمره، وبين المُنعمِ و ولي النّعم. ومن هُنا ٱستخلص الكاتبُ أن إصلاح الدّين هو أسهل وأقوى وأقربُ طريقٍ للإصلاح السياسي.

الاستبداد والعلم :

المستبدُّ لا يخشى علومَ اللّغة، ولا العلومَ الدينيّةَ التي يُحكِم على عُلمائها قبضَته، وإنَّما يخافُ الفلسفةَ العقليّة وعلومَ الحياة، والسياسة المدنيّة.. تلك العلومُ الّتي تُعرّف الإنسانَ ماهي حقوقُه، وكيف يصلُ إليها.. فالعِلم سلطانٌ يُنازِع المستبدَّ ويُزعزع أركانَه ويُخرِج العوامَّ من غفلتهم لأنَّهم متى علِموا قالوا، ومتى قالُوا فعلوا.. وكما أنَّه ليس من صالح الوصيّ الظالم أن يبلُغَ الأيتامُ رشدهم فليس من صالح المستبدِّ أن تتنوَّر الرعيّةُ بالعلم وتبلُغ وعيَها . فالٱستبدادُ والعلم ضِدّان مُتغالبان .

الاستبداد والمجد :

يُعرّف الكاتب المجدَ : ” هو إحرازُ المرءِ مقامَ حبّ وٱحترام في القلوب، ولا يُنالُ إلا بالبذل في سبيل الجماعة، وهو مطلبٌ طبيعيٌّ شريفٌ لكلّ إنسان.” ص47
أما التمجّدُ وهو ما يقصده في هذا الفصل تحديداً فهو إحراق المساواةِ في الإدارات والحكوماتِ برفع شَأن المسؤولينَ عليها دون فضلٍ حقيقيّ ، فيتمتّعون بالسّطوة الهائلةِ والثّروة الطائِلة ، والامتيازات التي يقدّمون في سبيلها كل ما يَطلُب المستبد . والخُلاصة فالمستبدّ فردٌ عاجزٌ لا حَول له ولا قوَّة إلا بهذه الفِئة التي تُعينه على الظُّلم والجُور و تَستخدم دهاءَها للتّغرير بالأمة لأجل مصالحها الخاصة.

الاستبداد والمال :

إن تكلّم الاستبداد لقال”… أما ديني وشرفي فالمال المال المال.” ص 63 الاستبداد يجعل المال في أيدي الناس عرضَةً لسلب المُستبد وأعوانه وعماله بحججٍ باطلة فيفقدون الرغبة في كسبه والجد من أجله. ومن طَبع المُستَبد مع الأغنياء أنّهم يتحمّلون إذلاله حفاظاً على ثرواتهم، فيساعدونه على إحكام قبضته على المجتمع ويتحالفون معه على الظّلم خوفاً على ثرواتهم و أموالهم. فالمُستبد يخاف الفُقراء الذين ليس لديهم ما يَخسرونه أكثَر ما يخافُ من الأغنياء. لكنهم فقط يخافون خوف ضُعفٍ ونَذالة ، خوفاً من العِقاب.

الاستبداد والأخلاق :

أسيرُ الاستبداد يرثُ شرّ الصّفات و ويتربّى على أسوئِها، فيضطَرُّ للاتّصاف بالرّياء حتى يتعوّده، فيفقد ثقته بنفسه ويضطَر للكذب و للغِش و للمساومة.. فهو يرى أنّ كل منزلة يُتوصّل إليها بالطرق الملتوية وليس عن طريق الاستحقاق.. فيصيرُ حاقداً على قومِه وفاقداً لحُبّ وطنه، لأنّه غير آمنٍ فيه، ولا يَملك شيئاً ليحرص عليه، فماله معرّضٌ للسّلب ، وشرفه معرّض للإهانة، وحقوقه معرَّضة دوما للتجاوز عليها.

الاستبداد والتربية :

الاستبداد المشؤوم يسْطو على النّفوس فيُفسد الأخلاقَ، ويضغطُ على العقول فيمنع نماءَها بالعلم، فالاستبداد والتربِية عاملان مُتعاكسان في النَّتائج، فكلّ ما تبنيه التربية – مع ضعفها – يهدمه الاستبداد بقوته.
الاستبداد يضطر الناس إلى ٱستباحة الكذب والخِداع والنِّفاق.. ونبذِ الجد وترك العمل، فيَرى الآباء أنَّ تعبهم في تربية الأبناء لا بد أن يذهب عبثاً، وللسعة والفقر وللعدالة والحرية دور كبيرٌ في التربية. فمسألة إعداد الإنسان ليكون فردا في أمة صالحة يلزمُ إعدادَ العقلِ للتمييز.. وحسن التفهيم والإقناع، وتقوية الهمة والعزيمة ثم على حسن القدوة والمثال و المواظبة والاتقان في شتى أمور الحياة.. وكل هذا ليس في صالح المستبد ما يجعله يعرقل مسيرته و يحبط كل محاولات الإصلاح في مجال التربية..

الاستبداد والترقي :

يبلغ فعل الاستبداد بالأمة أن يحوّل ميلَها الطبيعي من طلب الترقّي إلى طلب التسفّل، بحيث إذا أُعطِيت الحريَّةَ تشقى، وإذا دُفعت إلى الرّفعة تأبى. يأسرها الخوف و الجُبن من سُوء العاقبة و بطشِ المستبد فتقْنع بشظَف ما يَجود عليها من حقوقها و تكتفي بالنَّظر متحسّرة للأمم التي تسابق بعضها في الترقي و التطور.
وفي هذا الفصلِ يلجأ الكواكبي لما سمّاه اللوم الإرشادي فيتوجه بخطابات عديدة يبدؤها بنداء “يا قوم “داعياً فيها الأمة إلى نبذ الخوف والنّهوض لصلاح أمْرها و مُعاتبا لها على الخُنوع والذِّلة والاستسلام.

الاستبداد والتخلص منه :

لخّص الكاتبُ نظرته حول التخَلص من الٱستبداد في خمسة وعشرين مبحثاً حول الحكومة والحقوق العامة و الحقوق الشخصية و توزيع التكليفات والعدالة القضائية و توزيع الأعمال والوظائف…. عدّدها في هذا الباب ودعا من يأتي بعده إلى تدقيقها، وتفصيلها، و تطبيقها هلى الأحوال السياسيّة والاجتماعية من أجل نوال الحُرية ورفع الاستبداد رفعاً لا يتركُ مجالا لعودتِه.

اقتباسات :
” وأعظم ما يلائِمُ مصلحةَ المُستبدِّ ويُؤيّدها أنَّ الناس يتلقّون قواعدهُ وأحكامهُ بإذعانٍ بدون بحثٍ أو جِدال، فيودُّ تأليف الأمة على تلقّي أوامره دوماً بمثل ذلك، ولهذا القصدِ عينِه كثيراً ما يحاول بناء أوامره أو تفريعها على شيء من قواعد الدّين.” ص 24
ــــــ

“أكثر ما يخافه المستبدّون أن يعلم النّاسُ حقيقةَ أنَّ الحريَّة أفضلُ من الحياة.” ص 45
ـــــ

“يجبُ قبل مُقاومة الاستبداد تهيِئة ما يُستَبدل به الاستبداد، فمعرفة الغاية شرط طبيعي للاقدام عل أي عمل، كما أن معرفة الغاية لا تُفيد شيئا إذا جُهل الطريق الموصل إليه. فتصير الثورة فتنة شعواء لصالح المستبد . ص 156
ـــــ

ختاما أقول :

صدر هذا الكتابُ في النّصف الثاني من القرن 19، في فترةٍ كانت فيها الشعوب العربيّة ترزح تحت نير الاستعمار والاستبداد وٱغتصاب الحقوق والثروات، فكان صرخةَ حقٍّ زلزلت الأرضَ الصلبة للاستبداد. أمّا ما جَعل الكتاب يكتَسب هذا الصًدى الواسع هو شجاعة الكاتب و جرأته آنذاك في طرح موضوع بهذا الثقل والخوض في تفاصيله.. هذا وعلى الرغم من مرور أكثرِ من مئة عامٌ على صدوره فإنّه يكادُ يكون مطابقاً تماماً لِما يحدث في عصرنا هذا، فالكَاتب لم يذكر أسماءَ شخصيّاتٍ أو تواريخَ أو بلداناً ما جعل ٱلكتابَ مُطلقا وعامّاً، تصلُح أفكاره لكل وقت ولكل بلد، وهذا ما يثبِتُ صحّة نظريّته الَّتي مفادُها أن الٱستبدادَ بشتّى أشكاله هو سببُ تأخر الأمم في بلداننا العربيّة.
وقد دفع الكواكبي ثمن شجَاعته غاليا ففقد حياتَه الوجوديَّة باكراً لكنّه خلّد ٱسمه ناصعاً في تاريخ الإنسانيّة. وقد رثاهُ العديد من الشعراء و نُقش على قبرِه بيتان لحافظ إبراهيم :
هنا رجُلُ الدّنيا هنا مهبِطُ التُّقى
هُنا خيرُ مظلومٍ هنا خيرُ كاتبِ
قفوا وٱقرؤوا أم الكتاب وسلّموا
عليهِ فهذا القبرُ قبرُ الكواكبي

ـــــ

* أستاذة تعليم ابتدائي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.